مدينة السحر بهلاء و نزوى

مدينة السحر بهلاء و نزوى

قلعة الجِن :

مدينة السحر بهلاء و نزوى

تَجَلَّت هُناكَ تُباهي قُرصَ الشَّمس البَهي ،  و تناطحُ الجِبالَ بِقَوامِها العَتِي .

فوقف الزمان أمامها و قد أبهرَهُ طولُ العهد بها ، فسائلها عن أسرارها ،

فحار في جوابها و تاه في غمرةٍ من زهوها . إنها قَلعَةُ بَهلاء .

بدأ تشييد أركانها في عصور ما قبل الإسلام .

لم تتوقف الدُّوَلُ و الممالك من الزيادة فيها و الإنشاء،

حتى غدت على ما هي عليه من الجلال و البهاء .

روي الكثير عنها خصوصا خرافات جِنِّها الذي تكَفَّل برعايتها بعد أن جعلها مسكنه الخاص ،

فلا يقترب أحدٌ منها إلا و أصابه شيء من الضُّر و الخوف .

بل شاع في الآونة الأخيرة خَبَرُ الأثريين الذين كانوا لا يُرمِّمون منها جزءاً أو رُكناً

إلا عادوا في وقت آخرٍ ليجدوه كما كان خرابا و كأنهم لم يصنعوا شيئاً .

و كم سمعنا عن الزائرين الذين أرادوا أن يكسروا حاجز الخوف بدخول هذه القلعة

تسليط الضوء على خباياها فمنعهم حُراسُها

و أصروا عليهم بالرجوع عَمّا عزموا عليه .

قلعةٌ يسكنها الجان و يَألَفُها السُّحّارُ و الشيطان ،

هكذا رسخت صورة قلعة بهلاء في النفوس و الأذهان ،

كل هذا رغم قِلَّة القصص عنها و النزر اليسير الذي وصلنا عن غرائبها .

اختلف الناس في سبب تلكم الحكايات التي تحوم حول قلعة بهلاء ،

البعض يربطها بسليمان بن داود عليهما السلام ،

و آخرون يعتقدون أنها تمتلئ بأعمال السحرة و طلامسهم .

على الجانب الآخر ، فهي محض صُدَفٍ و خرافات شعبية بالنسبة للكثيرين .

و لكنها تظل لغزا محيرا خصوصا و أنها مركز بهلاء القديمة و قلبها المتوقد .

السُّوق المَسكون :

سوق بهلاء ، حيث يجتمع أهل هذه البلدة و روادها من الآفاق ،

فلا عجب أن يحظى بنصيب وافر من الأساطر و الحكايات ،

و هو كغيره من الأسواق المركزية في المُدُنِ العُمانية ،

ركنٌ هام من أركان المدينة الحيوية و التي لم تقل أهميته رغم مرور مئات القرون عليه .

ربما هو أكثر الأجزاء غموضا في بهلاء ،

فالناظر للقلعة و السور مثلا يجد تصريحا بأساطيرهما و القصص التي تتعلق بنشأتهما ،

بينما سوق بهلاء يظل مغلقا بأبواب الصمت و الوُجوم .

ربما لأنه مَقْصِدُ الناس اليومي و بعبارة أخرى والوجهة المحتمة لهم لقضاء الضروريات ،

فلا يريدون أن يتعكر صفوه بالذعر و الرعب و لا أن يتدنس نقاءه بالهلع و الخوف . و بعيدا عن ذلك ،

فكثير من أهل بهلاء أنفسهم يعتقدون أنه مسكون بالجن

و انه ربما يكون أكثر الأماكن امتلاءاً بهم ،

و لربما كان ذلك السبب في هجر الناس لأجزاءٍ منه مع تقادم العهد به .

قَصَصُ السَّحَرَة :

خضعوا لإرادة الشر الأبدي ، و تجردوا لفعل كل خارق غرائبي .

أصبحوا رمز هذه المدينة الحافلة بالظواهر ،

بل باتوا شرارتها التي أوقدت لهيب رواياتها المخيفة .

لطالما كانوا ديدن العمانيين لدهور ، و كم هي كثيرة أخبارهم التي بلغتنا .

لعل من أعجب ما بلغنا عنهم حكايات الذين يَتَنَقَّلون من مكان لآخر بلمح البصر ،

فقد قرأت أن رجلا كان يسير في طريق صحراوي و صادف رجلا مسنا في طريقه ،

ثم أنه تجاوزه و بلغ مَوْضِعاً غير قريبِ فوجد المسن هناك قد سبقه إليه ،

و سمعنا عن ساحر ببهلاء كان يخط في الأرض خطا ثم يتلوا كلمات مخصوصة

فينتقل بسرعة البرق إلى أي مكان أراد .

مدينة السحر بهلاء و نزوى

و من الطريف ما يُروى عن قصة الساحر الذي قدم من مدينة الرُّستاق إلى بهلاء

ليس لشيء إلا لينافس أقوى سحرتها بقدراته و ملكاته ،

فَيُقال أنه دخل المدينة و معه دِيكٌ يحمل أكياسا مُثْقَلَةً بالتمر ،

فتعجب الناس و اجتمعوا حوله ثم أنه سئلهم عن أمهر السحرة في بهلاء فدلوه على داره ،

و لما طرق الباب خرجت إليه ابنته و أخبرته أن أباها مسافر ،

لكن الفتاة ما أن رأت الديك و هو يحمل تلكم الأحمال حتى أدركت مراده ،

فدخلت لبرهة و ما لبثت أن خرجت ببقرة من عِلِّيَّةِ الدّار ،

أمرت البقرة أن تمشي على حبل دقيق قد ربط لتعليق الملابس ،

فسارت طَوَعاً لرغبة البنت ، حينها رجع ذلك الساحر و هو يقول :

إذا كانت ابنته تفعل هذا فكيف به هو ؟ .

ذاع صيت سحرة بهلاء في الشرق و الغرب ،

و سارت الركبان بأخبار نوادرهم الفريدة ،

و كانت بذلك قبلةً الراغبين و منية الطالبين لمعرفة رموز السحر و علومه الدفينة ،

فيُحكى أن الكثيرين كانوا يتهافتون من ربوع الجزيرة العربية إليها طلباً لكُتُبِ الشعوذة و الخِداع .

كل هذه الحكايات عن السحر في بهلاء و عمان عموما

ثم جعلت الناس يرجعون أصوله إلى أبعد من الأفق المنظور .

يسرد البعض أن السحرة في عمان تلقوا أسرارهم من أهل شرق إفريقيا

إذ ان العمانيين استقروا هناك منذ زمن طويل بل كانت لهم فيها دولة و ملك ،

فلا تستغرب عزيزي القارئ إذا وجدت مدنا كزنجبار و دار السلام

و قد زينها رَونق المدن العربية و جَلَّلَها الطابع الإسلامي .